"أسماء على قائمة الموت".. تسريب يهدد حياة 100 ألف أفغاني تعاونوا مع لندن
"أسماء على قائمة الموت".. تسريب يهدد حياة 100 ألف أفغاني تعاونوا مع لندن
"ظننت أنني بأمان بعدما انسحبت القوات البريطانية من أفغانستان.. ثم تلقيت رسالة من صديق على فيسبوك يخبرني أن اسمي وعنواني وأسماء أفراد عائلتي منشورة في قائمة يقال إن طالبان حصلت عليها"، بهذه الكلمات يبدأ عبد الرحمن (اسم مستعار) شهادته حول واحدة من أخطر الكوارث الحقوقية التي تورطت فيها حكومة المملكة المتحدة منذ انسحابها العسكري من أفغانستان في عام 2021.
وكشفت صحيفة "الغارديان" أن الحكومة البريطانية، عبر وزارة الدفاع، سرّبت بطريق الخطأ معلومات شديدة الحساسية تتعلّق بعشرات الآلاف من المواطنين الأفغان الذين تعاونوا مع القوات البريطانية خلال وجودها في أفغانستان، الأمر الذي عرضهم لخطر مباشر من قبل حركة طالبان.
ووفقًا لتقارير نشرتها، اليوم الأربعاء، "فايننشيال تايمز"، فإن قاعدة البيانات المسرّبة تضمنت أسماء ومعلومات اتصال وأرقام هواتف وعناوين بريد إلكتروني لنحو 25 ألف أفغاني، من بينهم آلاف العاملين المحليين الذين قدموا خدمات مباشرة للجيش البريطاني، فضلًا عن أفراد عائلاتهم، ما رفع عدد الأشخاص المعرّضين للخطر إلى قرابة 100 ألف شخص.
والمثير في القضية أن الحكومة البريطانية لم تكتفِ بالتكتم على الكارثة، بل لجأت وفقًا لتقارير "الغارديان" إلى استصدار ما يُعرف بـ"أمر قضائي فائق" من المحكمة العليا، يمنع ليس فقط النشر عن القضية، بل يمنع الإعلام من ذكر وجود هذا الحظر أصلًا.
وتشير الصحيفة إلى أن هذا الأمر القضائي، الذي صدر في سبتمبر 2023، كان الأول من نوعه في تاريخ بريطانيا، وقد استُخدم لإسكات الصحافة والتكتم على خطة سريّة أُعدّت لنقل آلاف الأفغان المتضررين إلى المملكة المتحدة تحت مسمى "مسار الاستجابة الأفغانية".
وحتى يوليو 2025، ظل الرأي العام البريطاني غافلًا تمامًا عن خطأ البيانات الفادح، وعن خطة التخفيف التي كلفت الدولة ما يقرب من (ملياري جنيه إسترليني)، بحسب ما أكد وزير الدفاع البريطاني الحالي جون هيلي في بيان رسمي أمام البرلمان.
خطة إنقاذ سرية
بعد أن علمت الحكومة البريطانية بتسرّب البيانات في أغسطس 2023، أي بعد أكثر من عام من حدوثه فعليًا في فبراير 2022، سارع الوزراء إلى إعداد خطة طوارئ داخل وزارة الدفاع تهدف إلى إعادة توطين نحو 25 ألف أفغاني في المملكة المتحدة، معظمهم كانوا قد رُفضت طلباتهم سابقًا بموجب برامج إعادة التوطين المعتادة.
أوضحت صحيفة "فايننشيال تايمز" أن الخطة السريّة، التي عُرفت داخليًا باسم مسار الاستجابة الأفغانية ARR، جاءت بتوصية من مسؤولين في حكومة ريشي سوناك السابقة، وجرى تنفيذها في عهد حكومة حزب العمال الحالية بقيادة كير ستارمر.
وقدّرت الحكومة في مذكرة داخلية صادرة في فبراير 2025 أن كلفة تنفيذ الخطة ستبلغ نحو 7 مليارات جنيه إسترليني على مدار خمس سنوات، لكنها تراجعت لاحقًا لتبلغ كلفة الخطة نحو 850 مليون جنيه إسترليني، بعد إعادة تقييم عدد المؤهلين.
العواقب الإنسانية
وفقًا لما أوردته "الغارديان"، فإن تسريب هذه البيانات ترك آلاف العائلات عرضة لانتقام طالبان، لا سيما أن من بين الضحايا مترجمين وموظفين أمنيين كانوا في قلب العمليات البريطانية، وذكرت الصحيفة أن الاستخبارات البريطانية قيّمت بأن التسريب قد يؤدي إلى عمليات قتل وتعذيب وتهديد مباشر لهؤلاء الأفراد.
وقال أحد المتضررين للمراسلين: "أحد أقاربي قُتل بعد أسابيع من انتشار القائمة.. لا أحد يمكنه أن يثبت العلاقة، لكنني متأكد أن اسمه كان هناك".
وبالتوازي، رفع أكثر من 665 أفغانيًا دعوى قضائية جماعية ضد وزارة الدفاع البريطانية، مطالبين بتعويضات لا تقل عن 50 ألف جنيه إسترليني لكل فرد، وقد أعلنت شركة محاماة في لندن أنها تمثل أكثر من ألف حالة إضافية بصدد اتخاذ إجراءات قانونية مشابهة، وفقًا لتقارير الغارديان.
المثير في تفاصيل القضية أيضًا، أن العديد من أعضاء البرلمان البريطاني، ومنهم زعيم حزب العمال كير ستارمر نفسه، لم يتم إبلاغهم بالحادث أثناء وجودهم في صفوف المعارضة، واعترف وزير الدفاع جون هيلي بأنه لم يعلم بوجود الأمر القضائي ولا بالخطة السريّة إلا بعد تسلمه منصبه.
اعتذار عن التسريب
وقال هيلي أمام البرلمان: “ما كان ينبغي لهذا التسريب الخطير أن يحدث.. أقدم اليوم اعتذارًا صادقًا لكل من تعرّضت بياناته للاختراق.. لن نتجاهل المسؤولية”.
ومع ذلك، فإن توقيت الكشف عن الحادث بعد مرور أكثر من عامين، وبعد إغلاق برامج إعادة التوطين الرئيسية، يشير إلى محاولات متعمدة للتقليل من الأثر السياسي والإعلامي للفضيحة.
وتشير الأرقام الحكومية إلى أن نحو 18500 أفغاني جرى نقلهم بالفعل إلى المملكة المتحدة ضمن البرامج المختلفة، بينهم 5500 شخص تمت إعادة توطينهم مباشرة بسبب التسريب.
كما وعدت الحكومة باستقبال 2400 شخص آخرين كانوا قد حصلوا بالفعل على دعوات رسمية، لكن وزير الدفاع أعلن في منتصف يوليو 2025 عن إغلاق برنامج ARR أمام المتقدمين الجدد، ما يعني فعليًا أن أكثر من 9500 شخص باتوا خارج دائرة الحماية، على الرغم من كونهم عرضة للخطر المباشر، وفقًا لما ورد في تقارير "فايننشيال تايمز" و"الغارديان".
قلق المنظمات الحقوقية
أعربت منظمات حقوقية ومكاتب محاماة عن قلقها العميق إزاء تسريب بيانات آلاف الأفغان المتعاونين مع القوات البريطانية، معتبرةً الأمر "كارثة إنسانية وتقصيرًا جسيمًا"، فقد وصفت شركة Barings Law الحادث بـ"الفضيحة الخطيرة التي تستدعي المساءلة"، مؤكدةً أنها تمثّل أكثر من ألف متضرر يطالبون بتعويضات.
كما صرّحت المحامية إيرين ألكوك من شركة Leigh Day بأن التسريب قد يعرّض الضحايا لـ"القتل أو الاختطاف أو التعذيب"، مشددةً على أن السلطات البريطانية حاولت إخفاء الواقعة عن الرأي العام، وهو ما اعتبرته انتهاكًا لمبدأ الشفافية والحق في الحماية.
ولا يزال الجدل السياسي قائمًا، فمع صعود حزب "إصلاح المملكة المتحدة" المناهض للهجرة في استطلاعات الرأي، واستمرار الضغوط على الحكومة بشأن العجز المالي، ثمة مخاوف من أن تتحوّل مأساة الأفغان إلى وقود انتخابي، بدل أن تكون لحظة مساءلة وشفافية.